المُعلم الأستاذ محمود أحمد أبوعيسي سلام ..إنه بحق معلم من الزمن الجميل.. وُلِدَ الأستاذ محمود أحمد في ١٧ فبراير ١٩٢٧ م ، تدرج في مراحل تعليمه الأزهري ، ثم إلتحق بالدراسة بكلية دار العلوم (جامعة القاهرة ) ، حيث كانت الأنظمة التعليمية – وقتها – تسمح بإلتحاق طلاب الثانوية الأزهرية بأي جامعة مصرية ، وليس الحصر علي جامعة الأزهر فقط ، إلا أن هذا البند لم يعد موجوداً – حالياً – في قانون تنظيم الجامعات .. ودائماً ما يُقال علي خريج دار العلوم درعمي ، نسبة لكليته .
لم يكن لأهل الرمالي حظاً ولا نصيباً ، بأن يكون المربي الجليل الأستاذ محمود أحمد ، معلماً لأبنائهم في مدارس الرمالي ، إذ أن
الأستاذ محمود ، قد تم إعارته لدولة الكويت للعمل كمعلم للغة العربية عبر تخرجه من الجامعة مباشرة ، وظل عضواً بارزاً في فريق العمل بوزارة التعليم الكويتية حتي إحالته للتقاعد.
وفي الكويت أظهر الأستاذ محمود سلام براعة فائقة كمُعلم مُخضرم في بحور اللغة العربية وآدابها وشتي فروعها ، طوال فترة تصل إلى خمس وثلاثين عاماً ، وهي مُدّه حياته الوظيفية بدولة الكويت .
ساهم الراحل الكريم في تأليف بعض الكُتب والمناهج التعليمية للمرحلتين الإعدادية والثانوية بالكويت ، كما ساهم في تأسيس معهد لتحسين الخطوط هناك ، بفضل ما حباه الله من حُسن الخط وبلاغة الأسلوب وجمال التعبير .
إزدهر نشاط وكيان معهد الخطوط الذي أسسه الأستاذ محمود سلام ، و أدي دوراً حيوياً ورائداً في تدريب المعلمين علي إتقان فنون وأنماط الخط العربى ، وقد ظل الأستاذ محمود مُشرفاً علي ذلك المعهد لمدة تصل إلي 20 عاماً .
تدرج الأستاذ محمود ، وظيفياً حتي أصبح مُوجّه أول للغة القرآن ، بمدارس الكويت الشقيق ، فكان بمثابة مرجع للمعلمين المجتهدين ، ومستشاراً للسائلين والراغبين في معرفة كل ما يتعلق بلغة الضاد ، وبكل فروعها وخباياها.
لم يكن الأستاذ محمود أحمد معلماً نمطياً أو من فئة المستسلمين للروتين ،والكسل ، بل كان حريصاً علي الإضافة الفياضة لمجال عمله والسعي لتطويره ، ثم أنه كان مُفكراً ومُبدعاً وفيلسوفاً.
وبفضل خبرات الأستاذ محمود أحمد المعرفية ، وبكونه أحد الموسوعيين المعروفين والنوابغ الأفذاذ في قطاع التعليم الكويتي ، فقد تم تمديد فترة خدمته بوزارة التعليم الكويتي، لمدة خمس سنوات بعد عُمر الستين ، ليستفيد من خبراته المعلمين والطلاب والدارسين سواء .
كما أكد أحد المقربين للأستاذ محمود أحمد ، أنه كان عضواً بارزاً في اللجنة العلمية التي تُشرف على إختيار المعلمين المُعارين من مصر للعمل بمدارس الكويت ، بفضل خبرته وفِطنته في إختيار وإنتقاء الأكفاء .
وقد أنهي الأستاذ محمود ، خدمته كأحد رجال التربية والتعليم بالحكومة الكويتية بعدما أتم ٦٥ عاماً ، كان خلالها خادماً ومخلصاً للغة العربية ومريديها .
أيضاً كان الأستاذ محمود أحمد ، من الوجوه اللامعة والداعمة لمتطلبات العمل العام والخدمي والبيئي بقرية الرمالي ، وإن كان في معزِل عن الظهور في الصورة ، كما أنه كان أحد فرسان العمل الخيري والإنساني بالرمالي ظاهراً وباطناً ، وإذ ربما أن الأثر الطيب لذلك العمل لا يزال ممتد ومستمر حتي بعد وفاته .
وعقب عودته ، وإستقراره بمسقط رأسه بقرية الرمالي ، تولي الأستاذ محمود أحمد إمامة مسجد آل سلام المجاور لمنزلة لسنوات عديدة ، بفضل ما اُوتِيَ من عِلم وحِكمه ، وبفضل حِفْظه للقرآن الكريم.
وينتمي شيخ النحويين الأستاذ محمود أحمد إلي عائلة سلام ، بناحية الرمالي، تلك العائلة التي تشتهر بالوجاهة الإجتماعية منذ قديم الزمان ، ويُعرف عن أهلها حُسن الأخلاق والتسامح مع الجميع.
وقد كان الأستاذ محمود أحمد مُربياً فاضلاً ، بل كان قامة كبيرة ، وذو قيمة هائلة بفضل إنتاجه الثقافي ومكانته العلمية الرفيعة ، كما كان وجيهاً في مظهره ، نبيل الشخصية ، راقياً في تعاملاته ، متواضعاً مع الجميع ، هادئ الطباع ، وقد مَنَحه الشعر الأبيض الذي كسي رأسه في شيخوخته كثيراً من الهيبة والوقار العظيمين.
ولقد كان للِعلم الواسع التي إكتسبه الأستاذ محمود مشواره المهني الحافل ، أثراً طيباً في نفسه وذاته .
جمع الأستاذ محمود بين العلم والأدب وحُسن الأخلاق والثراء ، فلا يخفي علي أهل الرمالي وتوابعها أن الأستاذ محمود ، كان أحد أعيان الرمالي وأبرز أثريائها.
رحل معلم الأجيال الحاج محمود أحمد سلام في الرابع من نوفمبر عام ٢٠١١ ميلادية ، تاركاً علما ً يُنتفع به ، مُخلِفاً وراءه سيرة طيبة يتباهي بها أهله وذويه .
وبناءً على رغبتي ، فقد أرسل لي( الدكتور أحمد حازم رشاد الحماقي)، وهو حفيد الأستاذ محمود سلام ، أرسل لي صوره شخصية لجده (في شبابه)، مُرتدياً فيها الزي الأزهري ، وصوره أخري يظهر فيها جده متوسطاً زملائه داخل محرابه الوظيفي بالكويت .
كما أمدني حفيد المُعلم الجليل ، ببعض المعلومات القيمة عن حياة جده ومشواره الوظيفي الحافل ، وكذلك أرسل لي حفيد الأستاذ محمود ، بعض نماذج الخطوط القيمة ، التي اُنتِجت داخل معهد الخطوط الذي كان أحد مؤسسيه ، المُعلم الكريم محمود سلام .
رحم الله المُربي القدير محمود أحمد سلام ، ورحم معلمينا الكرام، ونفعنا بعلمهم إلي يوم الدين.