إنها “قصة سندريلا” حقيقية: على الأريكة الحمراء في غرفة المعيشة بمنزل والديها المتواضع في ضاحية ألكوبينداس بمدريد، كانت تشاهد الصغيرة بينيلوبي كروز في ثمانينيات القرن الماضي بعض الأفلام الروائية ما يصل إلى 15 مرة، ومن هنا بدأت أحلام اليقظة تداعب خيالها. والآن أصبحت الإسبانية – إلى جانب زوجها الممثل خافيير بارديم /55 عاما/ والممثل والمخرج أنطونيو بانديراس /63 عاما/، أكبر نجمة سينمائية في بلدها – وأيضا أيقونة عالمية.
قالت كروز مؤخرا لمجلة الأزياء “إيلي” في عددها الصادر في مارس الماضي: “كانت هذه الأريكة مهمة جدا بالنسبة لي، كانت بمثابة نافذة على العالم… لقد ساعدتني على أن أجرؤ على الحلم”. وعلى الرغم من أنها حققت كل شيء على الصعيدين المهني والشخصي، لا يزال لدى كروز – التي تحتفل ببلوغها 50 عاما في 28 أبريل الجاري – الكثير من الأحلام والأمنيات التي تسعى لتحقيقها.
ترغب كروز – الحائزة على جائزة الأوسكار والأم لطفيها من بارديم ليو /13 عاما/ ولونا /10 أعوام/ – في الإخراج، حسبما كشفت في تصريحات لمحطة “آر تي في إي” التلفزيونية. وهذا ما باحت به أيضا لمعلمها المخرج الإسباني الشهير بيدرو ألمودوفار في بداية مشوارها الفني، والذي أوصاها بعدم الانتظار طويلا. قالت كروز: “لكنني أخبرته أنني سأنتظر على الأقل حتى أبلغ الخمسين من عمري، وربما هذا سيحدث الآن”.
لدى كروز أيضا أمنية خاصة للغاية في عيد ميلادها الخمسين، حيث اعترفت لـ “إيلي” بأنها تريد حقا أن تكون “سعيدة” وخالية من الهموم تماما في مرحلة ما من عمرها، وقالت: “أعتقد أنني شخص سعيد للغاية، ولكنني أيضا شخص شديد التوتر والقلق. هناك أشياء – بغض النظر عن مقدار العلاج الذي أقوم به – لا تزال موجودة. أنا وهمومي. ولا أعرف إلى أي مدى يمكن تحسين ذلك”.
تخشى ابنة ميكانيكي السيارات ومصففة الشعر – من بين أمور أخرى – من قيادة السيارات، ولا تحب الحفلات الكبيرة والصاخبة التي تعج بكثير من الناس. ومع كل فيلم جديد تخشى أن “تُطرد في الأيام الأولى من العمل”، حسبما كشفت مؤخرا لمحطة “آر تي في إي”، مضيفة أنها مضطربة و”مفرطة الحساسية في كل شيء: بصريا، وتجاه الأصوات، ومشاعر الناس”.
ومع ذلك فإن هذه الاضطرابات والمخاوف لم تضر بمسيرة راقصة الباليه المُدرَّبة، والتي أصبح الطلب عليها أكثر من أي وقت مضى كعارضة أزياء. وفقا لقاعدة بيانات الأفلام “IMDb”، عملت كروز ممثلة في حوالي 90 مشروعا، من بينها “صحاري” و”فانيلا سكاي” و”قراصنة الكاريبي: في بحار غريبة” و”الجنس والمدينة 2″ و”فيراي”.
نالت حساسيتها وطبيعيتها – وقبل كل شيء قدرتها على أداء أدوار شديدة التنوع – ثناء كبار نجوم السينما العالمية مثل جولييت بينوش وريدلي سكوت وكيرا نايتلي. وصفت كيت بلانشيت الثنائي كروز/ألمودوفار بأنه “أسطوري”.
وإلى جانب جائزة الأوسكار فازت “بي” – كما يُطلَق عليها في إسبانيا – أيضا بجائزة البافتا وجائزة جويا وجائزة الفيلم الأوروبي، وغيرها. لكن هذا لا يفرق معها، حيث قالت: “إذا نظرت إلى الوراء لأرى ما حققته أو عدد الجوائز التي فزت بها، فلن يساعدني ذلك على أن أكون سعيدة أو على الاستمرار في الازدهار”.
كان الصعود سريعا للغاية: تركت كروز المدرسة في سن الخامسة عشرة بعد أن اكتسبت أول شهرة ضئيلة كعارضة أزياء وخلال ظهور في فيديو موسيقي. في سن السابعة عشرة أصبحت رمزا للإغراء في بلدها عبر دورها في فيلم “خامون خامون”، والذي التقت فيه بارديم.
وجاءت انطلاقتها نحو العالمية مع دور راهبة حامل مصابة بالإيدز في فيلم للمخرج ألمودوفار “كل شيء عن أمي” (1999)، والذي مهد طريقها إلى الولايات المتحدة. وفي هوليوود أثارت في البداية ضجة بعلاقات رومانسية مع توم كروز وماثيو ماكونهي، لكن بعد الفيلم الكوميدي الرومانسي للمخرج وودي آلن “فيكي كريستينا برشلونة”، الذي جعلها أول ممثلة إسبانية تفوز بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة عام 2009، أصبحت نجمة عالمية.
لا تزال كروز تتلقى دروسا منتظمة في التمثيل في مدريد مع أحد معلميها الأوائل، خوان كارلوس كورازا. كما أنها منخرطة في أنشطة اجتماعية: في أوائل العشرينات من عمرها أمضت كروز بعض الوقت في الهند للعمل في منظمة “الأم تريزا”، وكانت تعمل – من بين أمور أخرى – في مجال مكافحة العنف ضد المرأة وتظهر أيضا في أفلام منخفضة الميزانية تندد بالظلم الاجتماعي، وكان آخرها في الفيلم الإسباني “على الهامش” عام 2022، والذي يدور حول عمليات إخلاء قسري ومهاجرين.
وبعد الزواج من بارديم عام 2010، استمر كلاهما في البداية في العيش في لوس أنجليس، ولكن في مرحلة ما عاد الزوجان إلى مدريد، حيث لا يزالان يعيشان حتى اليوم. وفي كل من الولايات المتحدة وإسبانيا تمكن الزوجان من البقاء خاليين من الفضائح في تلك الصناعة الصعبة وقاما بحماية حياتهما الخاصة إلى حد كبير. وكشفت كروز لـ”إيلي” أنها تسافر أحيانا إلى لوس أنجليس للعمل ليوم واحد ثم تعود إلى بلدها حتى لا تهمل طفليها. قالت كروز: “إنهما أولويتي المطلقة اليوم”.