• دعمنا القضية الفلسطينية طيلة 75 عامًا وترتيب البيت الفلسطيني واستعادة عروبة القضية أولويات
• الولايات لمتحدة أمنت لإيران رد في نطاق حفظ ماء الوجه دون خسائر إسرائيلية
• الضربة الإيرانية أفادت إسرائيل باستعادة المظلومية
• نتنياهو يسعى لإطالة أمد الصراع وتوسيع نطاق الحرب للهروب من المحاسبة والبقاء بالسلطة
• مصر الدولة العربية الأكبر بموقعها الجغرافي والتاريخي.. ومخزونها الثقافي يجب أن يقود لنهضة عربية
لا يزال لبنان يعاني أوضاعا من أصعب ما ممر به على امتداد تاريخه بتواصل انسداد المشهد السياسي واستمرار حالة الفراغ الرئاسي لمدة قاربت العام ونصف، تحت نير أزمة اقتصادية طاحنة تتفاقم آثارها على المواطنين، ويجتمع بكل ذلك تهديدات خطيرة لأمنه جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، وما أثير من بشأن محاولات استدراج لبنان لمواجهة جديدة مع إسرائيل في وقت يفترض بها أن تركز على تجاوز أزماتها المعقدة.
يؤكد فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، في حواره مع “أخبار مصر” على ضرورة أن تتجنب لبنان الدخول في معركة مع إسرائيل في الوقت الراهن لأنه سينتج عواقب لا يمكن تحملها، في ظل ما تشهده البلاد من ظروف صعبة جعلتها غير قادرة على التعامل مع أبسط المشكلات، حيث لم يتم إصلاح زجاج السراي الحكومية رغم مرور 4 سنوات على تحطمه في انفجار مرفأ بيروت، مما يعطي صورة منطقية بأن لبنان غير مستعد لتحمل معارك، ومن الظلم الكبير تحميله ما لا يطيق.
يرى السنيورة أن طوفان الأقصى كانت عملاً قويا أعاد القضية الفلسطينية للاهتمام العالمي، والتأكيد بأن هناك عزيمة عربية تستطيع أن تنهض لمنع تراجع الاهتمام العالمي والإقليمي بالقضية الفلسطينية، لكن -في رأيه- أن الأمر شابه “بعض من سوء التقدير” فكان لابد أن تكون نقطة الانطلاق ترتيب البيت الفلسطيني وأن تكون هناك كلمة موحدة للتعبير عن القضية بعيداً عن المكاسب الشخصية.
وإلى نص الحوار…
– بداية.. ما تقييمكم للحالة السياسية في الداخل اللبناني والمشهد الراهن في ظل الشغور الرئاسي؟
بالنسبة لموضوع الحكومة في لبنان، فهي في حالة تصريف أعمال، ما يعني بأن العمل الذي تستطيع أن تمارسه محدود جدّا حسب ما نصّ الدستور. جاءت تلك الحالة في خضم ما تمر به البلاد من أزمات خطيرة ومتعددة العوامل التي تتحكم فيها ما يجعل الخروج من تلك المآزق عملية معقدة ويصعب الخروج منها.
- إلى أي مدي تأثر لبنان بمجريات الوضع الإقليمي في المنطقة العربية والشرق الأوسط؟
بلا شك، الوضع العام في لبنان متأثر أيضاً بالوضع العربي الذي يعاني الأمرّين.. إبحار وسط الأنواء والعواصف الكبرى التي تتحكم في المنطقة العربية من جهة ولبنان من جهة أخرى، منذ الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع 2011 وما تبعه من متغيرات كبرى بالمنطقة العربية فيما اّطلق عليه “الربيع العربي” وما ارتبط به من ما يمثل انهياراً لدى عدد من الدول العربية مثلما عانت سوريا، وامتداد توابعه إلى ليبيا والسودان واليمن، وما شهدته مصر أيضًا من مؤشرات عدم الاستقرار.
لبنان كان دائما مرآة لما يدور بمحيطه العربي والإقليمي، فيتأثر بما حوله من مجريات الأمور وينعكس على داخله ما يدور حوله من أحداث.
وعرضي لتلك الصورة، يبين بأنه ما وصل إليه لبنان ليس فقط بسب العوامل الداخلية من قصور وتقصير وعدم وجود رؤية أو إرادة ولا قيادة ولا شجاعة – إذا تحدثنا بصراحة-؛ فهذه العوامل الداخلية كان لجانبها تأثر كبير بما يجري في الخارج.
- كيف ساهم الوضع في غزة في زيادة تعقيد المشهد السياسي بلبنان؟
وصلنا إلى السابع من أكتوبر ولبنان عمليا كان قد مضى عليه قرابة السنة من دون انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي لم يعد بإمكانه أن يجدد مؤسساته الدستورية، لأن رئيس الجمهورية هو من يشرف على إجراء ما يسمى الاستشارات النيابية الملزمة لعملية تأليف الحكومة الجديدة لتتولى إدارة الشئون، فأصبحنا غير قادرين على انتخاب رئيس جمهورية ولا تأليف حكومة جديدة، ومن ثم باتت الأمور تدار دون أي ضوابط ولا رؤية ولا إرادة ولا إمكانية.
ومن أهم أركان العمل السياسي للدول هو قدرتها على توقع الخطر والأزمات للتمكن من التعامل معه، وفيما يتعلق بتوتر الوضع بفلسطين فقد شهدنا مقدمات قبل طوفان الأقصى، حينما عادت الجبهات الداخلية داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى الاشتعال، حيث تجددت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، وكان هذا تنويها إلى أن الأمور تسير في غير مصالحنا وما يفوق استعدادنا.
-ما رؤيتك لعملية طوفان الأقصى ودخول حزب الله على الخط؟
أثبت العمل الذي قامت به حماس في السابع من أكتوبر بأن هناك عزيمة عربية تستطيع أن تنهض وتمنع تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتتصدى لمن كانوا يقولون إن القضية تتجه نحو التصفية ولم يعد هناك مجال لإحيائها.
وعلى جانب آخر، فقد بادرتُ في 8 أكتوبر -قبل أن يتدخل حزب الله -بالتشديد على ضرورة ألا يقاد لبنان إلى الانخراط في تلك المعركة، وتجنبنا للحرب لا يعني عدم إيماننا بالقضية الفلسطينية، فالقاصي والداني يعلم ما قدمه لبنان طيلة 75 عامًا من عمر القضية، إذ ساندنا الفلسطينيين في جميع المراحل، وتحملنا في ذلك 6 اجتياحات إسرائيلية، وهو أمر لم يحدث لأي بلد في المنطقة، لذلك فأي دعوة لتحميل لبنان معركة عسكرية يمثل ظلمًا وخطيئة كبرى، لاسيما كما ذكرت أن هناك أربعة أزمات تعصف في لبنان في هذا الوقت الحاضر الأزمة الوطنية والسياسية فضلاً عن أزمة اقتصادية خطيرة و طاحنة وضعت نحو 80% من شعبنا على خط الفقر أو تحته، وصولا لأزمة النازحين السوريين التي أصبحت تقض مضاجع اللبنانيين.
- بالنظر لتطورات المشهد داخل فلسطين ومع إيران، هل لا يزال التصعيد بين حزب الله وإسرائيل في حدوده العادية أم قد تصل الأمور لتكرار مشهد حرب 2006؟
لست في موقع التأكيد أو النفي؛ لكني أستشهد بما هو مأثور من قول العرب “من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه” لذلك يجب ألا نترك أمورنا للصدف والظروف والتمنيات، فالواقع العملي والعقلاني ألا يضع لبنان نفسه في ذلك الموضع، فحدوث ذلك يعني الاقدام على مغامرة انتحارية دون جدوى حقيقة.
- ماذا يمكن أن تقدمه لبنان الآن لدعم القضية الفلسطينية؟
لدينا عديداً من السبل دون التورط في المعركة، من دعم على صعيد التحرك السياسي والإعلامي والدعائي.
والوضع الداخلي في لبنان يكشف لنا مدى عدم الاستعداد للانخراط في حرب.. إن السراي الحكومي تحطم زجاجه قبل 4 سنوات مع انفجار مرفأ بيروت ولا تزال الدولة غير قادرة على الإنفاق على إصلاحه.
- هل تسعى أطراف لدفع لبنان إلى التصعيد مع إسرائيل؟
يجب أن يكون ذاك في حساباتنا، فهناك دائما من يفتش عن ساحات قتال بعيدًا عن حدود بلاده، ويمارس عبر أذرعه هذا الدور من أجل التأثير على مجريات الأمور في المنطقة أو للحصول على مكاسب أو للبحث على إمكانية التواصل مع القوى الكبرى، وذلك على حساب دماء وجهودنا ومستقبلنا.
- ما تقييمك السياسي للضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران مؤخرًا؟
أعتقد أن ما جرى ليس جديًا. خاصة مع تصريحات وزير خارجية إيران بإبلاغ الولايات المتحدة بالهجوم عبر وسطاء بالسفارات الأجنبية، بجانب أن تلك المسيرات لم تحقق أي نتائج ميدانية تذكر، فقد تم التصدي للأغلبية الساحقة منها وتعطيلها. لكن إيران حققت مكسبا يتمثل في «حفظ ماء الوجه».
- ما إمكانية تطور الأمور واتساع مدى التصعيد؟
الولايات المتحدة تؤكد أنها تسعى لعدم توسع نطاق الصراع، كذلك تقف إيران مع ذلك الرأي، لكن في الناحية الإسرائيلية يختلف الوضع، فنتنياهو لديه مصالح مختلفة مرتبطة باستمرار الحرب وتوسيع نطاقها، فهي ملاذه بدلا ىن تجرع كأس المحاسبة والمساءلة في إسرائيل.
ولا ننسى أن الضربة الإيرانية أبعدت الانتباه الرسمي العالمي عما يجري في غزة، مما أعطى إسرائيل مساحة من الوقت والترتيب لتنفيذ ضربتها الأخيرة باجتياح رفح، وما يبدو أن الولايات المتحدة قد تمنحها الضوء الأخضر.
وقبل الضربة الإيرانية كانت إسرائيل تمر بظرف خانق حيث واجهت معارضة من حلفائها، وصارت متهمة بأنها ضالعة في الإبادة الجماعية، لكنها استعادت مظلوميتها وجددت تفويضها بالقتل بزعم حق الرد والدفاع عن نفسها.
- ما تصورك للبناء على ما جرى في 7 أكتوبر لخدمة القضية الفلسطينية؟
ما قامت به حماس كان عملاً قويا لكن رافقه سوء إدارة من تضخيم الأمور في غير محلها في بعض الأحيان، في وقت كان الأمر تقتضي التفكير في تحقيق 3 أهداف أساسية، أولها إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وعدم ترك الأمور في حالة التشتت والتشرذم بين الفصائل الفلسطينية، وبعدها استعادة عروبة القضية الفلسطينية، وعدم تركها وسيلة للمتاجرة والمزايدة من كل صاحب مصلحة، وأن تسمو القضية الفلسطينية فوق مصالح الأطراف المختلفة، ويصبح عندها صوت واحد ممثل ومعبر عن الشعب الفلسطيني.
- هل يمكن التعويل على الشارع الغربي في الضغط على المجتمع الدولي في تحقيق مطالب القضية الفلسطينية؟
التركيز ضروري على تسويق القضية بالشكل المطلوب في المقام الأول، ثم بعد ذلك ننشغل بما يمكن للآخرين تقديمه، لدينا مثل شعبي لبناني “الديك عليه يصيح وطلوع الضوء على الله”.
- وماذا عن ترتيب البيت اللبناني في ظل تراجع وجود الكتلة السنية في المشهد السياسي نسبياً؟
في الحقيقة كان موقفي مخالفاً للرئيس سعد الحريري في قراره بما يسمى تعليق العمل السياسي، وأنا لا زلت أعتقد أن هناك دورا وطنيا كبيرا يمكن أن يقوم به المسلمون السنة في لبنان. فلبنان بلد صحيح أنه صغير بحجمه لكنه كبير بطموحه وطموح أبنائه وتأثيره، وبكونه بلدا يتمتع بتنوع كبير، أشبه ما يكون بلوحة من الفسيفساء متعددة الألوان طالما ظلت متماسكة فهي جميلة وذات قيمة كبيرة، ولا بد من تماسكها حتى تظهر تلك الصورة.
يلعب المسلمون السنة في لبنان دور الصمغ الذي يجمع بين حبات الفسيفساء و عندما يضعف دور هذه اللحمة أو هذا الصمغ تصبح هذه اللوحة معرضة للتفكك.
-هل لديكم استعداد لقبول منصب رئيس الحكومة من جديد؟
لم أترك العمل السياسي ولم أتخل عن القيام بأي دور لخدمة الحالة السياسية في لبنان والذي لا يتوقف عند تولي منصب رسمي وترأس الحكومة. لكنني لا أسعى لموقع في الوقت الحالي، ويقتضي المناخ إفساح المجال لجيل الشباب.
- ما تقييمك للموقف المصري تجاه الأزمة اللبنانية؟
لعبت مصر والمملكة العربية السعودية دوراً في الحفاظ على صيغة لبنان بهذا التنوع وهذا الانفتاح والحريات والنظام الديمقراطي، ولا يزال لمصر دور أساسي في هذا الشأن، كونها الدولة العربية الأكبر بموقعها الجغرافي والتاريخي.
- ما الذي يمكن أن تقدمه الثقافة العربية لدعم قضايانا؟
تلعب الثقافة دوراً أساسيا في تأمين جو الحريات وإفساح المجال أمام من لديهم القدرة على العطاء، فأنا مازلت ناشطاً في المشهد الثقافي عبر مؤسسة ثقافية كبيرة تسمى “النادي الثقافي العربي” كان لها الدور في لإطلاق أول معرض عربي للكتاب في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ولديكم في مصر مخزون ثقافي كبير، يجب استغلاله لإطلاق حركة نهوض كبرى بالثقافة العربية.