هيئة المواد التجارية تستقر على قبول نظر طعن الخصم الآخر رغم سابقة الفصل للأول طالما تغيرت الأسباب
الهيئة: يتحتم جمع طعون القضية في ملف واحد.. وحال نظر طعن قبل آخر لا يجوز إهدار مصلحة الخصم الآخر
أقرت الهيئة العامة للمواد التجارية والاقتصادية بمحكمة النقض، برئاسة المستشار حسني حسن عبد اللطيف، مبدأ قضائيًا بقبول نظر الطعن بالنقض -في الحكم النهائي- المرفوع من الخصم الآخر في الدعوى، طالما تغايرت الأسباب عما قدمه الخصم الأول الذي سبق وفصلت محكمة النقض في طعنه بالرفض أو عدم القبول.
وأكدت الهيئة أن في حال تقدم أكثر من خصم بطعون على الأحكام الصادرة، يتحتم على محكمة النقض جمع أوراق تلك الطعون بكاملها ضمن ملف واحد لعرضه على الدائرة المختصة بالمحكمة، إما إذا نُظر طعن قبل آخر فلا يستقيم إهدار مصلحة الخصم بحرمانه من عرض أسباب طعنه على القضاء طالما كانت تلك الأسباب مغايرة للطعن الأول.
• نزاع بين شركتين
تعود الواقعة التي صدر بشأنها مبدأ الهيئة إلى قيام شركة “لإنتاج عبوات المياه”، دعوى قضائية تحمل رقم 578 لسنة 2016 مدني كلى دمنهور، ضد شركة تجارية “للبيع والتسويق”، مُطالبة بفسخ التعاقد بينهما المؤرخ في 2014، وإلزامها بأن تؤدي إليها مبلغ 383 ألفا و500 جنيه قيمة المبالغ المستحقة في ذمتها، ومبلغ 5 ملايين جنيه على سبيل التعويض، وذلك بسبب لإخلال في شروط التعاقد التي تشمل أن تكون شركة التسويق هي الوكيل والموزع الوحيد لمنتج عبوات المياه لمدة 5 سنوات.
وفي المقابل أقامت شركة التسويق دعوى فرعية ضد شركة إنتاج عبوات المياه، طالبت فيه بفسخ العقد بينهما وإلزامها بأن تؤدي لها مبلغ قدره 21 مليونا و60 ألف جنيه بالإضافة لفوائده القانونية والتعويض.
حكمت في الدعوى الأصلية بفسخ العقد والتعويض الذي قدرته لصالح شركة “عبوات المياه”، وفي الدعوى الفرعية بإلزام شركة “عبوات المياه” أن تؤدي إلى شركة التسويق مبلغ 2 مليون و113 ألفا و500 جنيه، والفوائد بواقع 5% من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى.
استأنفتا الشركتان على الحكم الصادر من محكمة أول درجة، وقضت محكمة الاستئناف بتأييد الحكمين مع تعديل المبلغ المحكوم به في الدعوى الفرعية لصالح شركة التسويق.
• اتجاهين مختلفين داخل النقض
طعنت شركة التسويق على حكم الاستئناف أمام محكمة النقض، وأودعت نيابة النقض مذكرة أبدت فيها رأيها -الاستشاري غير الملزم لمحكمة النقض- بعدم جواز نظر الطعن لسابقة الفصل فيه، في الطعن بالنقض رقم 12730 لسنة 89 قضائية، وهو الطعن الذي أقامته الشركة الأخرى وقضت فيه محكمة النقض بحكم نهائي بات.
قالت محكمة النقض إنه بعد عرض الطعن على دائرة المواد التجارية والاقتصادية المختصة، تبين اختلاف الأحكام الصادرة من المحكمة في خصوص إقامة طعنين من خصمين متقابلين عن حكم واحد.
واتخذت أحكام النقض اتجاهين؛ أولهما قضى بعدم قبول أي طعن ثان في الحكم ذاته -أياً كان الخصم رافع الطعن- إذا كان قد سبق الطعن فيه بطريق النقض، وتم الفصل في الطعن الأول برفضه أو عدم قبوله قبل نظر الطعن الثاني، حتى في حال تغاير أسباب الطعنين.
وأسست دوائر النقض في هذا الاتجاه أحكامها على أن رفض الطعن الأول هو بمثابة حكم نهائي صادر من دائرة بمحكمة النقض، بموجب سلطتها القضائية، فاصلاً في خصومة الطعن بالنقض المشار إليه حائز لقوة الأمر المقضي، وينحسم بالتالي به النزاع الذي فصل فيه الحكم المطعون فيه وتلتزم بحجيته الدائرة التي تنظر الطعن الثاني.
أما الاتجاه الثاني بالمحكمة، ذهب إلى قبول الطعن الثاني -المرفوع من الخصم الآخر- وذلك استنادًا إلى أنه إذا طعن بالنقض طرفا الدعوى ولم تفطن المحكمة لضم الطعنين ضماناً لحسن سير العدالة، وفصلت في الطعن المرفوع من أحد الخصوم برفضه أو بعدم قبوله، فإن ذلك لا يمنعها من نظر الطعن المرفوع من الخصم الآخر، فيما يكون قد أضر به الحكم.
وأسست دوائر الاتجاه الثاني أحكامها على أن القضاء في الطعن الأول برفضه أو بعدم قبوله لا ينصرف أثره إلا في مواجهة من أقامه، ولا يتعداه لخصمه الذي تظل منازعته وأسباب طعنه معلقة على الفصل في الطعن المرفوع منه وفي هذه الحالة لا يوجد أي احتمال لصدور حكمين متعارضين، ولا ينطوي على أي مساس بالمراكز القانونية للخصوم، والتي لا تستقر على نحو بات إلا بالقول الفصل في الطعن الآخر.
وبسبب هذا الاختلاف والأخذ بمذهبين، قررت دائرة النقض المختصة بنظر طعن شركة التسويق، بتاريخ 6 مارس 2024، إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية، للفصل في هذا الاختلاف وإقرار المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني، والعدول عن المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الأول.
وحددت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية، جلسة 30 إبريل 2024 لنظر الطعن، وأودعت النيابة العامة لدى محكمة النقض مذكرة – برأيها الاستشاري غير الملزم للمحكمة – انتهت فيها إلى الأخذ بالمبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني.
• حيثيات هيئة النقض
وقالت الهيئة إن خصومة الطعن بالنقض هي في أصلها موجهة للحكم المطعون فيه وليست امتداد للخصومة الأصلية، وبالتالي فإن الحكم الصادر من محكمة النقض تأييداً للحكم الاستئنافي النهائي -برفض الطعن أو عدم قبوله- لا يحوز قوة الأمر المقضي، إلا بعد أن تكون المحكمة قد أدلت برأيها في أسباب الطعن الموجة من الطاعن للحكم المطعون فيه عن قصد وبصيرة.
وأوضحت أن خصومة الطعن بالنقض ليست هي القضية التي عُرضت على محكمة الموضوع، وإنما هي قضية جديدة تتمثل في مخاصمة الحكم النهائي، ويتحدد نطاقها في إطار الأسباب التي ساقها الطاعن تعييباً للحكم مع الأخذ في الاعتبار المصلحة الشخصية الخاصة الواجب توافرها دوماً في الطعن.
• منع تقطيع أوصال الدعوى الواحدة
وتابعت بأنه إذا طعن بالنقض أكثر من خصم في الدعوى على ذات الحكم المطعون فيه في الميعاد بموجب إجراءات قانونية صحيحة، فإن من شأن ذلك أن يحتم جمع أوراق تلك الطعون بكاملها ضمن ملف واحد لعرضه على الدائرة المختصة بمحكمة النقض لكى تنظرها معاً، وذلك حتى يتسنى لها الإحاطة بجميع أبعاد النزاع المطروح على ضوء الطعن المقام من كل خصم على حدة مراعاة لمصلحته القائمة في طعنه، والتي غالباً ما تكون متقابلة مع غيره من الخصوم.
وأضافت أن ذلك يأتي لعلة حرص عليها المشرع دوماً وهي منع تقطيع أوصال الدعوى الواحدة وتشتيتها والذي قد يؤدى في النهاية إلى صدور أحكام متناقضة، مشيرة إلى أن حرص المشرع ينعكس جلياً في النصوص التي أقرها لتنظيم إجراءات الدعوى والطعن في قانون المرافعات، بما فيها تلك المتعلقة بإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
• لا يجوز إهدار مصلحة الخصم
وأوضحت المحكمة أنه إذا ما عُرض كل طعن من هذه الطعون منفردًا على المحكمة في إطار زمني مغاير وترتب على ذلك أن تصدت محكمة النقض بالفصل في أحدها برفضه أو إصدار قرار بعدم قبوله، دون أن تفطن لوجود طعن أو طعون أخرى لم تأمر بضمها، ولم يفصل فيها -وكان ذلك الطعن مقاماً من خصم مغاير ينفصل ويستقل في مصلحته عن بقية الخصوم، وقد أقامه على أسباب مغايرة لم يسبق تناولها بالحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول- فإنه لا يستقيم إهدار مصلحة هذا الخصم بدعوى المساس بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول، طالما تغايرت الأسباب على النحو سالف البيان.
وتابعت الهيئة أنه قد بات الطعن بالنقض الآخر المرفوع في الميعاد هو السبيل الوحيد للخصم لعرض أسباب طعنه في الحكم المطعون فيه على محكمة النقض، ذاكرة أن القول بغير ذلك من شأنه مصادرة حق الطاعن في التقاضي بحرمانه من عرض أسباب طعنه على القضاء، فضلاً عن معاملته معاملة غير متساوية مع غيره من الخصوم وتشكل تمييزا تحكميًا غير مبرر.
• ضم طعون القضية الواحدة ليس واجب الخصوم
وذكرت الهيئة أن القضاء بعدم جواز الطعن المرفوع استناداً إلى أسباب لم يسبق للمحكمة تناولها أو الإدلاء برأيها فيه في الطعن الأول لا يكون مبرراً ما دام لا يمس حجية الحكم أو القرار السابق الصادر بالرفض أو بعدم القبول، ولو كان الطاعن في الطعن الثاني ممثلاً في خصومة الطعن الأول، خاصة وأن ضم الطعون المرتبطة لنظرها أمام ذات الدائرة ليس واجباً على الخصوم، بما يُمثل عقاباً إجرائياً عظيم الأثر تم توقيعه على خصم قام بواجبه القانوني على نحو صحيح، وهو ما تتأذى منه العدالة.
وأضافت أنه لا ينال من ذلك القول بوجوب التزام الدائرة التي تنظر الطعن الثاني بحجية الحكم أو القرار الصادر في الطعن الأول وحسمه للنزاع فيمتنع عليها التصدي له شكلاً وموضوعًا، احتراماً والتزاماً لحجية الأمر المقضى به للحكم المطعون فيه، إذ إن العبرة في تكييف الإجراءات هي بحقيقة جوهرها ومرماها، وهى ترتبط دائما بمبدأ نسبية الأثر المترتب عليها.
• الفصل في الطعن لا يعطل نظر طعن آخر بأسباب مغايرة
قالت الهيئة إنه إذا ما أقام الطاعن في الطعن الآخر طعنه مستوفياً لأوضاعه وفي إطار قانوني موجهاً ما نعاه إلى أسباب الحكم المطعون فيه، وهو ما يعني بالضرورة اعتراضه على أسباب هذا الحكم وعدم قبوله لها، مما يحتم على محكمة النقض أن تقوم بوظيفتها بمراقبة قضاء الموضوع استيثاقاً من صحة تطبيقه للقانون على الوقائع وتقويماً لما يكون قد أعوج أو شذ من أحكامه وتوحيداً لفهم النصوص القانونية فهماً مطابقاً لما أراده المشرع منها.
وأضافت لا يسوغ إزالة أثر هذا الطعن بصدور حكم أو قرار من محكمة النقض بعدم قبول أو رفض طعن سابق مقام من خصم آخر طالما لم يتناول الأسباب التي عليها أقيم الطعن الآخر ودون أن تقول المحكمة كلمتها فيها، ذلك أن معيار سبق فصل محكمة النقض في أحد الطعون على النحو المتقدم، لا يصح أن يكون معياراً يؤدى إلى تعطيل أو إلغاء الفصل في طعن أو طعون أخرى مقامة على ذات الحكم بأسباب مغايرة، دون أن ينص المشرع على ذلك صراحة.
ومن ثم فإن ما يقيد الدائرة المعروض عليها الطعن الآخر في هذا الصدد هو احترام الأسباب التي بني عليها الحكم أو القرار الصادر من المحكمة في الطعن الأول، وعدم إعادة تناولها عند تصديها للطعن الثاني وفصلها فيه، وهو بذلك ينفى عنها شبهة التسلط على ذلك الحكم أو القرار أو عدم احترام حجيته، كما أنه في هذا الإطار لا يعد إلغاء لهذا الحكم أو القرار أو سحباً أو رجوعاً فيه، وهو الأمر الذي يتفق مع مبدأ المساواة أمام القانون والذي لابد وأن يكون ذا اعتبار عند نظر كافة القضايا والطعون أمام المحاكم على اختلاف درجاتها. وذلك بحسب ما انتهت إليه الهيئة وقررت معه إعادة الطعن إلى الدائرة المحيلة للفصل فيه.