يحتفل الفنان الكبير عادل إمام بعيد ميلاده الرابع والثمانين، اليوم 17 مايو،حيث ولد في مثل هذا اليوم من عام 1940 وسط أسرة مصرية بسيطة تعود أصولها لإحدى قرى المنصورة.
وامتد مشواره الفني لما يزيد عن 60 عاماً في ظاهرة لا تتكرر كثيراً، وارتبط به الجمهور العربي كنجمهم المفضل مع امتداد الأجيال من الجد للحفيد، ولا تزال أعماله الفنية حاضرة وجذّابة ولم تفقد بريقها.
يقول محمد منصور في كتابه “الكوميديا في السينما العربية”: “إن صعود أي ممثل نحو النجومية، ليس تعبيراً عن ظاهرة أو تحولات إجتماعية بالضرورة، فقد يأتي ذلك نتيجة اكتشاف مخرج أو منتج مغامر لطاقاته، والمراهنة عليها وقد يأتي ذلك نتيجة طبيعية لاجتهاد الممثل وتطور أدواته؛ لكن عادل إمام في صعوده نحو النجومية قد جمع كل ذلك”.
وكانت الأعمال الكوميدية هي السمة الغالبة على بدايات الزعيم السينمائية ونقطة انطلاقه لقلب جمهوره وتصدر إيرادات شباك التذاكر.
ومن بينها كانت تجربة تقديمه ثلاثية “رجب فوق صفيح ساخن” و”شعبان تحت الصفر” و”رمضان فوق البركان”، والتي رفعت من أسهمه لدى الجمهور؛ لكنها على المستوى النقدي أثارت ضجة كبرى وحملته هجوما شديدا.
* رجب.. ظاهرة متعددة الأوجه
وقد رأى الناقد سامى السلامونى فيلم “رجب فوق صفيح ساخن”، مثّل ظاهرة عام 1979 فى السينما المصرية من عدة أوجه، أولها أنه حقق أطول مدة عرض من بين كل أفلام الموسم؛ حيث استمر عرضه 37 أسبوعا، وهى مدة عرض أصبحت نادرة بعد انحسار موجة الرواج الكاذب التى حققتها بعض الأفلام فى بعض السنوات السابقة، وبجانب ذلك أن حقق «رجب» أعلى إيرادات وهو ما يقرب من 113 ألف جنيه، وهو رقم أصبح خياليا بالنسبة لإيرادات أى فيلم مصرى، ويقال إن الإيرادات التى حققها فى الدول العربية تفوق ذلك بكثير وتصل إلى الملايين، ونهاية بأنه نجاحه الكاسح ارتبط بظاهرة أخرى، هى عادل إمام نفسه، فقد جاء الفيلم قريبًا من الناحية الزمنية من نجاح مسلسله التليفزيونى «أحلام الفتى الطائر» فأصبح عادل النجم الأول جماهيريا، ويقال إنه أحدث بعض الانقلابات في سوق السينما وإن بعض المنتجين والموزعين بدأوا يعيدون النظر فى أشياء كثيرة، حتى أن بعضهم أسرع يطلب من كُتّاب السيناريو تعديل بعض السيناريوهات الجاهزة بالفعل للتصوير بحيث تناسب عادل إمام.
* النقاد.. من التجاهل إلى اعتماد الجودة
ويتابع السلاموني ويبقى غريبًا أن الفيلم لم يترك صدى على المستوى النقدى، وكانت هناك أسباب موضوعية إلى حد ما لتجاهل النقاد والمشاهدين المثقفين أو الجادين هذا الفيلم، بل ويمكن القول أيضًا الخوف من مشاهدته، ربما بسبب عنوانه المبتذل، واسم مخرجه أحمد أحمد فؤاد الذى أصبح مرتبطًا هو الآخر بنوع لا يُطمئن من الأفلام، وربما بسبب ما شاع بأنه منقول عن فيلم “شلسنجر” الشهير “راعى بقر منتصف الليل”، وأن عادل إمام يلعب فيه دور “داستن هوفمان” بينما يلعب سعيد صالح دور جون فويت وكان كافيًا لإشفاق البعض وأنا منهم أن يعرضوا أنفسهم لتشويه صورة فيلم عظيم يعتزون به ويفضلون تركه بعيدًا عن الهزار.
يقول السلاموني عندما أقيم مهرجان الفيلم السنوى السادس كان “رجب” ضمن ترشيحات النقاد لأفضل 15 فيلمًا من بين الأفلام المعروضة عام 1979، وكانت هذه أول خطوة مثيرة لدهشتى الشخصية، ثم عرضت جمعية الفيلم هذه الأفلام الخمسة عشرة على أعضائها ليختاروا من بينها أفضل سبعة أفلام للتصفية النهائية التى تشترك فى المسابقة، فكان “رجب”مرة أخرى من بينها، بل وحصل على نسبة كبيرة من الأصوات.
ويكمل السلامونى أن فيلم “رجب” هو فيلم جيد بهذه المقاييس الجديدة بالتحديد، بل إنه أفضل من أفلام “رفيعة المستوى “يحترمها المثقفون جدًا لأنها تناسب أذواقهم الخاصة أو حتى أفلام أخرى يحترمها المثقفون جدًا لأن مستواها الفنى جيد، بينما “رجب” يتخطى مسألة المستوى الفنى بقيمة أخرى هى أنه يقول شيئا جيدًا للجمهور العريض فى سينمات عماد الدين وهو الجمهور الحقيقى للسينما المصرية وقال: صحيح أن عنوان الفيلم مبتذل، ولكن هذه الآلاف الهائلة من المواطنين لم ينتبهوا إلى هذه المسألة، بل لعل هذا العنوان بالتحديد كان أحد الأسباب التى أغرتهم بمشاهدة الفيلم.
* صدق وبراءة
وواصل السلاموني: فى “رجب” شىء نادر حقًا فى معظم أفلامنا، هذا الشىء النادر هو الصدق والبراءة والبساطة والتواضع ثم الوضوح، وهذه أكثر الأشياء أهمية على الإطلاق إذا أردنا أن نقول شيئًا مفيدًا لجمهور عماد الدين، لقد نجح “رجب” لأنه كان صادقًا وبريئًا، ولأنه قدم للناس شيئًا من حياتهم، ونجح فى أن يجعلهم يجدون أنفسهم فى”رجب”، فكل واحد منهم كأى واحد آخر، مسحوق ومضروب ومضطهد ومضحوك عليه من الجميع.
* شعبان تحت الصفر.. الفلاح الساذج والتطبيع مع النصب
أما عن التجربة الثانية فكانت مع فيلم “شعبان تحت الصفر” الذى لعب على تيمة الفلاح الساذج، فشعبان فلاح يعمل فى الإصلاح الزراعى فى قرية المحمودية، لا أهل ولا أصدقاء له، يرث من قريبه الثرى ستة ملايين جنيه، لكن هناك شرط ليحصل عليها، وهى أن يكون”شاطرًا”، فيبدأ فى ممارسة الشطارة بمفهوم غريب وهو أن ينفق الملايين بسفه على ملذاته الشخصية ورغم الإقبال الجماهيرى على الفيلم وتحقيقه أعلى الإيرادات، إلا أنه قوبل بنقد عنيف.
و يتضمن “شعبان” جوانب مسلية وترفيهية، ولكنها ضمنيًا مؤذية وخطيرة، وهى التعاطف مع نصاب فاسق ماجن منحل وكاذب، وقد تم إنجاز الفيلم لعرضه على متفرجين مخدرين ذهنيًا لن يطرحوا على أنفسهم أسئلة كثيرة ومعقدة عن السيناريو، فأكثر ما يعنيهم هو متابعة حكاية خفيفة وطريفة يحملها عادل إمام على كتفيه ويمضى بها متسلحًا بشعبية اكتسبها من جمهور متواطئ مع فساد صناعة سينمائية مصرية يساهم فى تدميرها، وفقا لرأي نقدي نقله الكاتب الصحفي محمد الباز في كتابه”إمام وزعيم : ما خفي بين الشعراوي وعادل امام” الصادر عن دار ريشة.
*رمضان.. القانون يحمي الخارجين
وخُتمت الثلاثية مع “رمضان فوق البركان” الذي عُرض في عام 1985، لم يكن “رمضان” فلاحًا مثل رجب وشعبان، لكنه موظف بسيط مرتبه لا يكفيه، يعانى من الحاجة والحرمان، يشبه رجب وشعبان فى خروجه على القانون، عندما يقرر الاستيلاء على مرتبات الموظفين، لأنه بحسبة بسيطة عرف أن ما سوف يحصل عليه طوال حياته الوظيفية أقل بكثير من المبلغ الذى سيسرقه، يسلم نفسه للشرطة ليقضى سنوات فى السجن يخرج بعدها ليستمتع بما سرقه كانت الفكرة جديدة وخفيفة لكنها كانت خطيرة أيضًا.
وتحدث الناقد أحمد يوسف عما جرى، قال: فى “رمضان فوق البركان” القانون يحمى الخارجين عليه، ويتكشف ذلك عندما يتصور حارس السجن أن البطل السجين قد نجح فى اختلاس ثروة كبيرة، وأنه سوف يقيم مشروعات بعد خروجه من السجن، لذلك فهو يرجوه أن يجد لابنه عملًا فى إحدى شركاته، وعلى طريقة “إن سرقت اسرق جمل يسير الفيلم مهتديًا بمقول إن السلطة لا تترك طريقًا للبطل إلا أن يكون لصًا .
* معاداة الإسلام
وبعيدا عن الساحة الفنية، كانت هذه الثلاثية «رجب فوق صفيح ساخن» و«شعبان تحت الصفر» و«رمضان فوق البركان» سببًا فى الهجوم على عادل إمام من زاوية مختلفة، أعتقد أنه لم يتوقعها فقد اتهمه الشيخ كشك أنه يعادى الإسلام، وأن اختياره لأسماء رجب وشعبان ورمضان فيها سخرية من شهور عظيمة لها مكانة فى قلوب المسلمين، وهو هجوم يثير الشفقة أكثر مما يثير الغضب بالطبع، وإن كنت أعتبره بداية للتعامل مع عادل على أنه فنان يسخر من الإسلام ويعاديه فى أفلامه، وفقا لما ذكره الكاتب محمد الباز في كتابه” إمام وزعيم: ما خفي بين الشعراوي وعادل إمام”.