تعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكبر السياسات المؤثرة في العالم منذ عقود، بعد أن انهارت حِقب الاستعمار التقليدي التي كانت تتزعمه بريطانيا وفرنسا، وانتهاء أسطورة ألمانيا مع سقوط أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية.
وتروج أمريكا لنفسها أنها معقل الديمقراطية الأبرز في العالم الحديث، وطالما روجت السينما الأمريكية لهذه المفاهيم، وصورت أمريكا كمنقذ للعالم، ولكن هل أتى الوقت التي تعكس فيه السينما أيضاً انهيار جمهوريتهم، ذلك ما يتضح في رؤى المخرجين مؤخراً وينعكس قلقهم على الشاشة.
وقال المخرج فرانسيس فورد كوبولا، خلال العرض الأول لفيلمه الأول منذ أكثر من عقد، إن الولايات المتحدة، التي حاول مؤسسوها محاكاة القوانين والهياكل الحكومية للجمهورية الرومانية، تتجه نحو الانهيار.
كانت هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي في مهرجان كان السينمائي، وقال: “ما يحدث في أمريكا، في جمهوريتنا، في ديمقراطيتنا، بالنظر له نجده يتقاطع مع الماضي عندما فقدت روما جمهوريتها منذ آلاف السنين، لقد أوصلتنا سياستنا إلى النقطة التي قد نفقد فيها جمهوريتنا”.
وأضاف كوبولا، “لقد تأسست أمريكا على أفكار الجمهورية الرومانية، لم نكن نريد ملكا، ولم تكن روما تريد ملكا، لذلك توافقوا على شكل جديد من أشكال الحكم أطلقوا عليه اسم الجمهورية مع مجلس الشيوخ والقانون الروماني ومع كل الأشياء التي نعتنقها حالياً، كان شعوري هو أن أصنع ملحمة رومانية تدور أحداثها في أمريكا الحديثة، ولم يكن لدي أي فكرة أن سياسة اليوم ستجعل ذلك ذا أهمية كبيرة، وبالنظر إلى الجمهورية الرومانية، التي كانت تتمتع بعناصر الديمقراطية الحديثة كما أمريكا، قد استسلمت في سنواتها الأخيرة للمشاكل الاقتصادية والفساد وصعود يوليوس قيصر كديكتاتور”.
ويستمد فيلم Megalopolis، الذي تم عرضه لأول مرة في مهرجان كان مساء الخميس الماضي، إلهامه من مؤامرة كاتيلين للإطاحة بقواعد الجمهورية الرومانية في عام 63 قبل الميلاد، وتقع أحداثه في مدينة مستقبلية تشبه نيويورك، وهو من تأليف وإخراج وإنتاج كوبولا بميزانية بلغت 120 مليون دولار، تدور أحداث الفيلم حول مهندس معماري مثالي “يلعب دوره آدم درايفر” يحاول بناء مدينة فاضلة على أنقاض نيويورك، ضد رغبة العمدة “جيانكارلو إسبوزيتو” الذي يحاول الاستمرار على النهج القديم أياً كانت خسائره.
ويرى كوبولا أن الانحدار أصبح أسلوباً ضارباً في السياسة الأمريكية، وأيضاً على مستويات أخرى، منها صناعة السينما، وقال: “لقد أصبحت صناعة السينما مسألة توظيف أشخاص للوفاء بالتزامات ديونهم، لأن الاستوديوهات تعاني من ديون كبيرة، وليست صناعة أفلام جيدة”.
هذه الرؤية غير المتفائلة لوضع الولايات المتحدة، ليست محل اهتمام كوبولا فقط، فقد عرض مؤخراً فيلم civil war والذي تنتهي أحداثه باغتيال الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض بعد حرب أهلية طاحنة، من إخراج أليكس غارلاند، وبغض النظر عن الميزانية المختلفة تماما لكلا الفيلمين حيث بلغت ميزانية حرب أهلية 50 مليون دولار، وأيضاً بعيداً عن التقييم السينمائي للنقاد حول كلاهما، حيث يختلف النقاد في تقييم الفيلمين، فهما مشتركان في نظرة الانحدار التي تتجه لها أمريكا.
ويستلهم فيلم حرب أهلية فكرته من المشهد السياسي الصادم الذي حدث في 6 يناير 2021 في الكونجرس، وكاد أن يتسبب بالفعل في اندلاع حرب أهلية، عندما اقتحم محتجون المكان وسادت الفوضى، ليخرج فيلماً يسرد تفاصيل حول رئيس أميركي تجاوز القانون بالسطو على الرئاسة لفترة ثالثة، وتجاوز الدستور، وأمر بإطلاق النار على المواطنين المعترضين ونتج عن ذلك حدوث تمرد في عدد من الولايات، حيث اتحدت ولايتان متناقضتان تماما وهما تكساس وكاليفورنيا، واختارت فلوريدا الانفصال بمفردها،
وفي هذا السياق المشتعل، تقرر المصورة الصحفية لي “كريستين دانست” ومعها زميلها المراسل الحربي جويل “فاغنر مورا” أن يخوضا رحلة وسط أهوال القتال إلى البيت الأبيض في العاصمة لإجراء حوار مع الرئيس الذي يتوقع أن يُقتل خلال وقت قصير على يد أحد الفصيلين المتمردين.
ويضع الفيلم الولايات المتحدة في حالة مساواة مع دول أخرى كثيرة انغمست في الحرب الأهلية، ويظهر ذلك من خلال ذاكرة الصحفية لي، التي تتقاطع ذاكرتها مع مشاهد عديدة رأتها في الماضي، أثناء تغطيتها الصحفية في دول الشرق الأوسط، كما يظهر ذلك في الحوار على لسانها عندما تقول: “كنت دائما أسعى لنقل ما يحدث هناك كتحذير لكي لا نصل مثلهم لنفس النقطة”.