لقي إعلان ثلاث دول أوروبية جديدة الاعتراف بفلسطين كدولة ردود فعلٍ مختلفة، بين من رحّب بالقرار كالسلطة الفلسطينية وحركة حماس وعددٍ من الدول العربية، وبين من اعتبرها خطوة تعزز “الإرهاب”، وفق تعبير وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس عبر تغريدة على موقع “إكس”.
وفي الوقت الذي دعا فيه رؤوساء الحكومات في دول النرويج وإسبانيا وإيرلندا باقي الدول الأوروبية للاعتراف بفلسطين كدولة، قال وزير خارجية فرنسا إن هذه الخطوة “ليست محظورة على بلاده، لكن الوقت ليس مناسباً الآن”، وفق تعبيره.
واعتبر رئيس الوزراء النرويجي أن هذا الاعتراف يأتي لدعم “القوى المعتدلة التي تراجع دورها في النزاع المستدام”، مضيفا أن النرويج ترى أنَّ السلام لا يمكن أن يتحقق في الشرق الأوسط دون الاعتراف بفلسطين كدولة، بينما اتهم رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، إسرائيل بأنها تعرّض حل الدولتين لخطر على إثر الحرب في غزة.
فما هي أبعاد هذا القرار على المستوى القانوني والدولي؟
هل للقرار أبعاد قانونية؟
يقول أستاذ القانون الدولي كمال حمّاد لبي بي سي إن هذه الخطوة “أخلاقية” أكثر من كونها قانونية إلزامية، أذ أنه من شأنها أن تؤكد على مشروعية قيام الدولة الفلسطينية “على الصعيد الأخلاقي”، وهي اعتراف بأن العناصر التي تقوم عليها الدول متوفرة في دولة فلسطين، كما أنها تساعد على تكوين رأي عام بأن القضية الفلسطينية بحاجة لتسوية وفقا للقانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية بإقامة دولتين.
ويذهب المحامي والمحكم الدولي عمر مشهور الجازي إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تثبت “الشخصية القانونية للشعب الفلسطيني وتعزز علاقاته الدولية وفقا للقواعد القانونية مع المجتمع الدولي”، مضيفاً أن هذا القرار يشكّل “عامل ضغط مهم لأنه يترجم حق الشعب الفلسطيني في أن يقرر مصيره”.
إلى جانب هذه الاعتبارات الأخلاقية والاعتبارية، يقول الجازي إن “هذه الخطوة من شأنها أن تشكّل إجماعا دوليا يساعد على نيل فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو ما يؤدي في المستقبل إلى إلزام مجلس الأمن بإصدار قرارات متعلقة بمفاوضات السلام، تلزم إسرائيل بإنهاء الاحتلال للمناطق التي احتلها عام 1967 والعمل على الانسحاب منها.”
وفي إبريل الماضي، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار جزائري يوصي الجمعية العامة بقبول فلسطين عضوا في الأمم المتحدة، بعدما كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صوتت بالأغلبية “لصالح عضوية فلسطين الكاملة”، في قرار يحمل طابعاً “رمزياً”.
لكن الخبير القانوني كمال حماد يقول إنه “كلما زادت عدد الدول التي تعترف بفلسطين كدولة، فإن ذلك من شأنه أن يساعد في حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.”
وتعتبر السلطة الفلسطينية “مراقباً غير عضو في الأمم المتحدة” مثلها مثل الفاتيكان، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة – المؤلفة من 193 دولة – قد وافقت على الاعتراف بحكم الأمر الواقع بدولة فلسطين ذات السيادة في نوفمبر 2012، وذلك بتحديث وضعها من “كيان” إلى “دولة مراقب غير عضو في المنظمة”.
ما الأهمية الدبلوماسية للقرار؟
تعترف 144 دولة حول العالم بفلسطين كدولة، وفقاً لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينية، في إحصائية نشرتها قبل إعلان الدول الأوروبية الثلاث الأخيرة. وبعد قرار إيرلندا والنرويج وإسبانيا اليوم يصل عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 147 منها، منها 11 دولة أوروبية.
تقول جيهان أبو زيد، الخبيرة في شؤون الأمم المتحدة في مركز جينيف للدراسات السياسية والدبلوماسية، إن “خطوة الدول الأوروبية الثلاث وعلى الرغم من أنها ذات دلالات رمزية، لكنها تحمل وزناً دبلوماسياً من شأنه أن يزيد تمثيل الموقف الفلسطيني في أوروبا.”
وتقول أبو زيد لبي بي سي إن “تبعات هذا الاعتراف من شأنه أن يخلق تمثيلاً دبلوماسيًا في النرويج وإيرلندا وإسبانيا، من حيث السفراء والهيئات الدبلوماسية وبصلاحيات “من الممكن أن تساعد على إحداث مساحات لاختراق السياسيات الأوروبية الداعمة في أغلبها للموقف المضاد للفلسطينين” وفق تعبيرها.
وتضيف: “يؤدي وجود مكاتب دبلوماسية كاملة في الدول الأوربية إلى بناء علاقات وحضور قوي، لكن يظل كل هذا في نطاق ما يسمى بالسياسية الناعمة، أكثر من كونه استخداما قانونيا. لكنه يؤدي إلى إحداث ضغط أخلاقي ودبلوماسي”.
وفي تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، شهدت عدة مراحل موجبات من الاعتراف بفلسطين كدولة، أبرزها عام 1988 عندما أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات في الجزائر عن قيام دولة فلسطين، وبعد دقائق اعترفت الجزائر رسمياً بالدولة الفلسطينية، وتبعتها لاحقاً عشرات الدول.
وفي الفترة بين أعوام 2009 و2012 اعترفت العديد من الدول بفلسطين كدولة استجابة لمساعى دبلوماسية دولية قامت بها السلطة الفلسطينية من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وانتهت بحصول الفلسطينين على صفة “دولة مراقب” في الأمم المتحدة. ومن أبرز تلك الدول الأرجنتين والبرازيل وأوروغواي، في خطوة حظيت بترحيب فلسطيني واستياء إسرائيلي.
وفي 2014 اعترفت السويد رسمياً بفلسطين كأول دولة أوروبية، في خطوة قالت عنها ستوكهولم إنها “تؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم”، بينما اعتبرتها واشنطن في ذلك الحين خطوة “سابقة لأوانها”.
وهناك دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي اعترفت بفلسطين، وهي المجر وبولندا وسلوفاكيا، لكنها اتخذت هذه الخطوة قبل انضمامها إلى الاتحاد.
تقول جيهان أبو زيد إن “الدول الأوروبية التي اتخذت خطوة الاعتراف بفلسطين سابقاً لم تتخذ جميعا اجراءات حيال هذا الاعتراف، ومنها تواجد الهيئات الدبلوماسية وفتح السفارات وتبادل السفراء، قائلة إن بعض دول الاتحاد الأوروبي ممن اعترفت بفلسطين لم تتحمل تبعات هذا الاعتراف ولم تستكمل التمثيل” وفق وصفها، إلا أنها ترى أن دول إسبانيا والنرويج وإيرلندا ستقدّم اعترافاً كاملاً بالدولة الفلسطينية، بالنظر إلى الصياغات المطروحة في الإعلان المشترك لهذه الدول، وهو ما يزيد من حضور الموقف الفلسطيني في السياسية الأوروبية.
وتصف أبو زيد إعلان الدول الثلاث بأنه “جديد ومختلف هذه المرة”.
كذلك تذهب أبو زيد إن النظر لأهمية الاعتراف ليس فقط عبر عدد الدول التي تتخذ هذا القرار، بل أيضاً عبر وزنها وتأثيرها، وتصف أبو زيد إسبانياً بأنها الدولة الأكثر تأثيراً في الاتحاد الأوروبي من بين الدول المعترفة أخيراً بفلسطين.
ويعتقد الخبير القانوني كمال حمّاد أن الخطوة الأخيرة من الدول الثلاث تعد مؤشرا على أن العالم يتجه “نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية قريباً”.
ودعت وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين شاهين، ألمانيا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، فيما اعتبرت مصر قرار النرويج وإيرلندا خطوةٌ داعمةٌ لجهود خلق أفق سياسي يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.