• عصام زكريا: ندرس حاليًا أسباب خلو قاعات «القاهرة السينمائى» من الجمهور رغم نفاد التذاكر
• محمد الباسوسى: «الغردقة» له طبيعة مختلفة.. وانتشار الإنترنت لعب دورًا كبيرًا فى عزوف المتفرجين عن الحضور
• المتفرج يشعر بغربة لعدم ترجمة الأفلام .. ووضعنا خطة جاذبة فى الدورة القادمة لمهرجان الإسكندرية السينمائى
• محمد محمود: نجحنا فى عمل جمهور حقيقى لـ«الإسكندرية للفيلم القصير» لأننا اقتربنا من الناس واشتغلنا بأيدينا
تعانى أغلب المهرجانات السينمائية فى مصر خاصة التى تقام بالمحافظات من ضعف شديد فى الإقبال الجماهيرى، ووصل الأمر فى أحيان كثيرة أن تخلوا قاعة العرض من المشاهدين، أو يقتصر الحضور على 4 أو 5 متفرجين على أقصى تقدير فى قاعة تتسع لأكثر من 100 متفرج، وكثير من تلك المهرجانات السينمائية تعتمد على جموع الضيوف الذين تدعوهم إلى الحضور والإقامة بالمحافظة لمشاهدة عروض الأفلام، فى حين يغيب أهل المحافظة عن الصورة رغم أنهم المستهدفين الحقيقيين من وراء هذا الحدث الفنى، ليبقى السؤال قائمًا: إلى متى تستمر هذه الأزمة؟ وهل أصبحنا أمام واقع محتم أنه لدينا مهرجانات بلا جمهور؟ ولماذا تنجح مهرجانات أخرى، مثل «الإسكندرية للفيلم القصير» فى جذب الجمهور الذى يملأ قاعة العرض؟
هذه الأسئلة وغيرها توجهت بها «أخبار مصر» إلى عدد من رؤساء بعض المهرجانات السينمائية فى مصر، وكانت البداية مع الناقد عصام زكريا، رئيس مهرجان الإسماعيلية، ومدير مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته المقبلة، والذى قال فى بداية حديثه:
الجمهور الذى كنا نعرفه قبل 30 عامًا، وكان يتزاحم على عروض «القاهرة السينمائى» لم يكن موجودًا حاليًا، فقديمًا كانت الميول متشابهة، وكذلك الأذواق مهما اختلفت الطبقات والثقافات، لكن مع تغير الوضع، والتطور التكنولوجى الهائل الذى نعيش فيه، أصبح لكل واحد منا ميوله وذوقه الخاص به، وعليه لا يوجد مهرجان قادر على إرضاء كل هذا الكم من الاختلاف والتنوع فى الميول، وأًصبح على كل مهرجان أن يحدد الجمهور المستهدف له، وأن يسعى كى يصل إليه، كما حدث بـ«الإسكندرية للفيلم القصير»، فالشباب المسئول عن المهرجان تواصلوا مع أصدقائهم والدائرة المقربة لهم، لعمل جمهور خاص للمهرجان، ومع كل دورة تتسع هذه القاعدة، وهذا فكر جيد أن يكون المهرجان جمهوره، أضف إلى هذا أن «الإسكندرية للفيلم القصير» يقيمه أبناء المحافظة، وليس كالمهرجانات الأخرى الوافدة بجمهورها، وضيوفها على المحافظة، إلى جانب أن مشكلة المهرجانات القديمة الأكبرأنها تعانى من انطباع ليس جيدًا راسخًا فى أذهان شريحة كبيرة من الجمهور خاص بنوعية الأفلام التى تعرضها والفعاليات والأنشطة التى تقيمها بأنها غريبة عنهم وتفتقد للمتعة والترفيه، وعليه فهى بحاجة إلى بذل مجهود كبير لاستعادة هذا الجمهور من جديد، منها حسن اختيار نوعية الأفلام، والتواجد فن أماكن تجمع الجمهور خاصة الشباب منهم، فحن نشاهد بأنفسنا الإقبال الكبير الذى تحظى به العروض التى تقام بمكتبة الإسكندرية، أو فى سينما زاوية بالقاهرة وغيرها، وبالتدرج سوف تنجح المهرجانات فى عمل جمهورها الخاص.
تذاكر بيعت وقاعات شاغرة
وعن تجاربه الخاصة مع هذه المشكلة فى مهرجان الإسماعيلية ورؤيته الخاصة لـ«القاهرة السينمائى» قال عصام زكريا:
منذ توليت مسئولية «الإسماعيلية السينمائى»، وأنا أشعر بهذه المشكلة من اليوم الأول، وانتابنى إحساس أننى مثل الشخص الذى يأخذ معه خيمة كبيرة بصحبة بعض الأصدقاء، ونسافر الإسماعيلية نقيم هناك أسبوعًا وينتهى الأمر، وحاولت قدر الإمكان أن أتواصل مع أهل المحافظة، وأن أقيم نادى سينما هناك كمحاولة لعمل جمهور خاص للمهرجان، لكن واجهت معوقات كثيرة، وروتين مرهق، وما تزال المشكلة قائمة، لا أدعى أننى نجحت فيما سعيت إليه، لكنى حاولت واتخذت خطوات نحو تحقيقها أتمنى أن يستثمرها من سيتولى المنصب خلفًا لى.
وأكمل: «وحينما توليت منصب مدير القاهرة السينمائى، وضعت هذه الأزمة نصب عينى، فمخطئ من يظن أن «القاهرة السينمائى»، وهو أكبر مهرجان سينمائى فى مصر والوطن العربى لا يعانى من هذه المشكلة، فكثيرًا ما كنا ندخل قاعات العرض ونجدها شاغرة، رغم أن كل التذاكر مبيعة، وهذا لغز كبير بالنسبة لى، أحاول حاليًا إيجاد حل له!!».
الجمهور يشعر بالغربة
أما الناقد الأمير أباظة رئيس «الإسكندرية السينمائى لأفلام البحر المتوسط» فيرى أن دورة العام الماضى شهدت محاولات جادة وواقعية لحل هذه الأزمة، وقال: «ظلت العروض الخاصة بالمهرجان لسنوات طويلة ولظروف متعددة بعيدة عن دور العرض بوسط المدينة التى تحظى بحركة جماهيرية كبيرة، والعام الماضى نجحنا فى عرض مجموعة كبيرة من الأفلام بدار عرض سينمائى بوسط البلد، وكانت النتيجة رائعة، حيث حدث إقبال جماهيرى كبير، وبالدورة المقبلة سنستمر فى وضع أفكار وخطط واقعية لحل هذه المشكلة تمامًا، فسوف نذهب حيث يوجد الجمهور، وسوف نقيم عروضًا سينمائية بالمدارس وبوسط المدينة، وفى بعض المراكز الثقافية مثل مركز جيزويت، وهكذا، فلم ولن نقف أبدًا مكتوفى الأيدى أمام هذه المشكلة، فنحن نقيم مهرجانًا من أجل الجمهور فى المقام الأول والأخير».
وتابع الأمير أباظة: «من أسباب ضعف الإقبال الجماهيرى هو الشعور بالغربة، حيث إن الأفلام المعروضة لا تحظى معظمها بترجمة عربية، لأن هذا الأمر يحتاج إلى تكلفة مادية كبيرة ترهق ميزانية المهرجان، ونحن نحاول ترجمة ما نستطيع من الأفلام، كما نسعى لاستغلال اهتمام الشباب بنوعية السينما القصيرة سواء روائية أو وثائقية بمنحه اللون السينمائى الذى يحبه».
واستطرد رئيس «الإسكندرية السينمائى»: «مخطئ من يظن أننا كنا نقف مكتوفى الأيدى أمام هذه المشكلة، فمنذ توليت مسئولية المهرجان قبل 12 عامًا، وشغلى الشاغل هو عمل رواج له، بداية من زيادة عدد الدول المشاركة والضيوف، وعمل مسابقات جديدة، ومضاعفة الجوائز كما تقرر بالدورة الـ40 التى تُقام أكتوبر المقبل، والتى تشهد مضاعفة مسابقة «شباب مصر» من 50 ألفًا إلى 100 ألف جنيه، وعمل منحة للأفلام القصيرة تصل 200 ألف جنيه، ولأول مرة بالدورة المقبلة ستكون هناك مسابقة خاصة لسينما الأطفال، واتفقت مؤخرًا مع هيئة تنشيط السياحة بالإسكندرية لعمل حملة دعاية كبيرة بشوارع وميادين المحافظة لجذب الجمهور السكندرى المتعطش للفنون وللسينما تحديدًا، وأتوقع أن تشهد الدورة الجديدة إقبالًا كبيرًا من الجمهور الذى نسعى لتقديم وجبة فنية متكاملة له من أفلام وندوات وورش وغيرها».
العروض الليلية تكسب
وتحدث رئيس أحدث مهرجان سينمائى انضم للمهرجانات المصرية، وهو محمد الباسوسى رئيس مهرجان «الغردقة لسينما الشباب» عن خطته لحل هذه المشكلة، وقال: «لا يخفى على أحد أننى مسئول عن مهرجان له طبيعة مختلفة، فمدينة الغردقة لا تقارن بالقاهرة والإسكندرية المزدحمتين بالسكان، وجمهورها له عادات مختلفة، وهو ما درسته بالدورة الأولى التى أقيمت العام الماضى، حينما وجدت أن العروض التى تقام بالليل، وفى الاماكن المفتوحة مثل «المارينا» تحطى بإقبال كبير، خاصة من قبل الأجانب، حيث قمت بعمل عروض ليلية على البحر كنوع من أنواع الترفيه بالدورة الأولى، فوجدت تفاعلًا كبيرًا من الجمهور، وإقبالًا يفوق بمراحل عروض الصباح رغم أن التقنية المستخدمة فى عرض الأفلام نهارًا أحسن بكثير».
وتابع الباسوسى: «وعليه فنحن نخطط لاختيار توقيتات تناسب طبيعة الحياة فى الغردقة، حتى نضمن إقبالًا جيدًا فى الدورة الجديدة، المقرر إقامتها سبتمبر المقبل، كما اختارنا أن تكون روسيا ضيف شرف الدورة الثانية، حيث إنه من المعروف أن أكبر نسبة من السائحين الأجانب بالغردقة من روسيا، وعليه فنحن نحضر مفاجآت عديدة مع السفارة الروسية، وسيكون هناك برنامج خاص للسينما الروسية، أضف إلى هذا كله أن المهرجان فى دورته الأولى لم يكن يحظى بالدعاية الكافية، وكثيرون لم يكن لديهم علم به، وهذا العام سيتغير الأمر تمامًا، وستكون هناك دعاية كبيرة وقوية بين المصريين والأجانب، وسيتم كل هذا بالتعاون مع المحافظة، ونتواصل حاليًا مع قصر الثقافة بالغردقة، ولدينا أمل فى عمل عروض هناك لنقترب من أماكن وجود الشباب رغم التجديدات التى يشهدها القصر حاليًا».
انتشار الإنترنت وعزوف المتفرجين
ووصف محمد الباسوسى، رئيس «الغردقة السينمائى»، المقارنة بين جمهور المهرجانات حاليًا بالجمهور قبل 30 عامًا بالظالمة، وقال: «أتمنى ألا يعقد أحد مقارنة بين الإقبال الجماهيرى حاليًا على المهرجانات السينمائية، وما كان يحدث بالماضى، فلا يخفى عن كثيرين أن شريحة كبيرة من هذا الجمهور الذى كان يتعارك على شباك التذاكر لمشاهدة أفلام «القاهرة السينمائى» كان يسعى لمشاهدة أفلام بلا رقابة، فمعروف أن أفلام المهرجانات لا يتم حذف مشاهد منها، وهو ما سخر منه الفنان عادل إمام فى فيلمه «المنسى»، لأن هذه كانت حقيقة، ومع تطور وانتشار الإنترنت، أصبحت الأفلام كلها متاحة دون مونتاج ولا تدخل رقابى أمام الجمهور، وعليه اختفت امشاهد الازدحام والتصارع على شباك التذاكر، وبيع تذاكر المهرجان بالسوق السوداء التى كنا نشاهدها قديمًا، لكن هذا لا يعنى أننا سنقف مكتوفى الأيدى أمام العزوف الغريب والكبير عن مشاهدة أفلام المهرجانات السينمائية، فالمهرجان ينجح بالإقبال الجماهيرى الجيد، ورغم أن الدورة الأولى حظيت بإقبال جماهيرى نوعًا ما، لكنه لم يكن مرضيًا لى أبدًا، وكنت أقف أمام دار العرض أنتظر خروج الجمهر من القاعدة بعد المشاهدة لأتحدث معه لأعرف ما الأشياء التى أثارت انتباهه، والأشياء التى أزعجته، والأسباب التى تدفعه إلى الحضور مرة أخرى لمشاهدة العروض كى أدرس المسألة برمتها، وكانت نتيجة دراستى الجيدة لما حدث بالدورة الأولى أننى وقعت اتفاقية مع معهد السينما لعمل ورش للشباب بالغردقة، والتخطيط لفعاليات أخرى كثيرة جاذبة أستطيع من خلالها حشد الجمهور للمهرجان بالدورة الجديدة وكل الدورات المقبلة».
اقتربنا من الناس فنجحنا
وتحدث المخرج محمد محمود رئيس «الإسكندرية للفيلم القصير» عن تجربته الناجحة وسبب إنجذاب الجمهور لمشاهدة أفلام المهرجان، وقال: «اخترنا كفريق عمل منذ اليوم الأول أن نقترب من الناس، وأن نعمل بأيدينا، وأن نتواجد فى كل الفعاليات، وكانت النتيجة رائعة، فالمسألة ليست صعبة كما يصورها البعض، أو كما يحاول آخرون التقليل منها والادعاء أن جمهورنا غير حقيقى، وأن هذا العدد الذى يملأ قاعة العرض هم دائرة الأصدقاء والأقارب، ولهؤلاء أقول: «انظروا لرواد مهرجان «الإسكندرية للفيلم القصير»، وستعلمون أن كلامكم غير حقيقى بالمرة».
وأوضح محمد محمود: «متوسط أعمار العاملين بـ«الإسكندرية للفيلم القصير» يتراوح ما بين 20 و35 عامًا، وبنظرة سريعة على جمهور المهرجان سنجد فئات عمرية أكبر بكثير من مراحل عمرنا، وهناك أسر كاملة تأتى لمشاهدة العروض، واذا كان الأمر يقتصر على الأصدقاء والأقارب، فهل يعقل أن تزدحم قاعة العرض والندوات بهذا الشكل يوميا طوال أيام المهرجان الخمسة؟».
وأكمل رئيس «الإسكندرية للفيلم القصير»: «منذ الدورة الأولى للمهرجان ونحن نسعى لجذب الجمهور نحونا، قمنا بعمل ملصقات وورق دعاية، وزعناه بأنفسنا على الناس فى المقاهى، والجالسين على الشواطئ، كنا نذهب حيث يوجد التجمعات، وبذلنا مجهودًا خارقًا حتى يعلم أهل الإسكندرية بمهرجاننا، ولم نكن نتخيل أنه بعد عشر دورات فقط نحظى بكل هذا الاهتمام سواء بصناع السينما من النجوم الكبيرة الذى يأتون إلينا بكل حب لدعمنا أو للجمهور العادى».
وأشار محمد محمود: «تميز مهرجاننا كل دورة بإضافة جديدة كوسيلة من وسائل الجذب،، فكنا أول من أقام مسابقة خاصة لأفلام الطلبة، ثم انتبهنا للأطفال، فأقمنا مسابقة خاصة لهم وورشًا حققت رواجًا كبيرًا وإقبالًا غير متوقع، وأسعدت أولياء الأمور، وفى الدورة الاخيرة أقمنا برنامجًا خاصًا لـ«سينما المكفوفين»، وكانت المفاجأة أن احتشد الجمهور العادى الذى ساقه فضوله للإطلاع على البرنامج، وفى هذا الإطار تعاونا مع كثير من الجهات والجمعيات التى تهتم بذوى الاحتياجات الخاصة والمكفوفين، كما نجحنا رغم كل المعوقات أن نقيم ندواتنا فى ساحة المتحف اليونانى الرومانى، التى كانت مثار حديث السوشيال ميديا، وظهرت ندوات الضيوف بشكل رائع، ولا يعلم أحد كواليس الجهد المضنى الذى بذلناه، والأموال التى تكبدناها لتنفيذ هذه الفكرة».
واستطرد رئيس «الإسكندرية للفيلم القصير»: «لسنا وحدنا الذين نجحنا فى عمل جمهور لنا، فهناك مهرجانات أخرى مثل «أسوان لأفلام المرأة» الذى نجح فى صناعة جمهوره من خلال تحديد هدفه، وقدرته فى التواصل مع الجمعيات الأهلية بأسوان، ليكون أهم مهرجان مصرى يقدم خدمة اجتماعية لأهل محافظته من خلال عمل ورش قوية هناك، وعليه من يريد النجاح سينجح، الأمر يحتاج كى نحب ما نفعل».